وينعم على من لم يسأله, ويعافى من طلب العافية, ولا يحرم من خيره عاصيا.
بل خيره, يرتع فيه البر والفاجر, ويجود على أوليائه بالتوفيق لصالح الأعمال.
ثم يحمدهم عليها, ويضيفها إليهم, وهي من جوده ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل, ما لا يدركه الوصف, ولا يخطر على بال العبد.
ويلطف بهم في جميع أمورهم, ويوصل إليهم من الإحسان ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه.
فسبحان من كل النعم, التي بالعباد, فمنه, وإليه يجأرون في دفع المكاره.
وتبارك من لا يحصى أحد, ثناء عليه, بل هو كما أثنى على نفسه.
وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين, بل ولا وجود لهم, ولا بقاء إلا بجوده.
وقبح الله من استغنى بجهله عن ربه, ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله.
بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة, ونحوهم ممن حاله كحالهم, ببعض قولهم, لهلكوا, وشقوا في دنياهم.
ولكنهم يقولون تلك الأقوال, وهو تعالى, يحلم عنهم, ويصفح, ويمهلهم, ولا يهملهم.
وقوله " وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا " وهذا من أعظم العقوبات على العبد, أن يكون الذكر الذي أنزله الله على رسوله, الذي فيه حياة القلب والروح, وسعادة الدنيا والآخرة, وفلاح الدارين, الذي هو أكبر منه, امتن الله بها على عباده, توجب عليهم المبادرة إلى قبولها, والاستسلام لله بها, وشكرا لله عليها, أن تكون لمثل هذا زيادة غي إلى غيه, وطغيان إلى طغيانه, وكفر إلى كفره.
" وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " فلا يتألفون, ولا يتناصرون, ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم.
بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم, متعادين بأفعالهم, إلى يوم القيامة, " كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ " ليكيدوا بها الإسلام وأهله, وأبدوا, وأعادوا, وأجلبوا بخيلهم ورجلهم " أَطْفَأَهَا اللَّهُ " بخذلانهم, وتفرق جنودهم, وانتصار المسلمين عليهم.
" وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا " أي: يجتهدون ويجدون, ولكن بالفساد في الأرض.
أي: بعمل المعاصي, والدعوة إلى دينهم الباطل, والتعويق عن الدخول في الإسلام.
" وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " بل يبغضهم أشد البغض, وسيجازيهم على ذلك.