وهي قداح ثلاثة, كانت تستعمل في الجاهلية, مكتوب على أحدها " افعل " وعلى الثاني " لا تفعل " والثالث " غفل " لا كتابة فيه.
فإذا هَمَّ أحدهم بسفر, أو عرس أو نحوهما, أجال تلك القداح المتساوية في الجرم, ثم أخرج واحدا منها.
فإن خرج المكتوب عليه " افعل " مضى في أمره.
وإن ظهر المكتوب عليه " لا تفعل " لم يفعل ولم يمض في شأنه.
وإن ظهر الآخر, الذي لا شيء عليه, أعادها حتى يخرج أحد القدحين, فيعمل به.
فحرم الله عليهم الذي في هذه الصورة, وما يشبهها, وعوضهم عنه, بالاستخارة لربهم, في جميع أمورهم.
" ذَلِكُمْ فِسْقٌ " الإشارة لكل ما تقدم من المحرمات, التي حرمها الله, صيانة لعباده, وأنها فسق, أي: خروج عن طاعته, إلى طاعة الشيطان.
ثم امتن على عباده بقوله: " الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ " الآية.
واليوم المشار إليه, يوم عرفة, إذ أتم الله دينه, ونصر عبده ورسوله, وانخذل أهل الشرك انخذالا بليغا, بعد ما كانوا حريصين على رد المؤمنين عن دينهم, طامعين في ذلك.
فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره وظهوره, يئسوا كل اليأس من المؤمنين, أن يرجعوا إلى دينهم, وصاروا يخافون منهم ويخشون.
ولهذا في هذه السنة, التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر حجة الوداع - لم يحجج فيها مشرك, ولم يطف بالبيت عريان.
ولهذا قال " فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ " أي: فلا تخشوا المشركين, واخشوا الله, الذي نصركم عليهم, وخذلهم, ورد كيدهم في نحورهم.
ولهذا كان الكتاب والسنة, كافيين كل الكفاية, في أحكام الدين, وأصوله وفروعه.
فكل متكلف يزعم, أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم, إلى علوم, غير علم الكتاب والسنة, من علم الكلام وغيره, فهو جاهل, مبطل في دعواه, قد زعم أن الدين لا يكمل, إلا بما قاله, ودعا إليه.