فالجهاد في الحق جهاده, هو القيام التام بأمر الله, ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك, من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر, ووعظ, وغير ذلك.
" هُوَ اجْتَبَاكُمْ " أي: اختاركم - يا معشر المسلمين - من بين الناس, واختار لكم الدين, ورضيه لكم, واختار لكم أفصل الكتب, وأفضل الرسل.
فقابلوا هذه المنحة العظيمة, بالقيام بالجهاد فيه حق القيام.
ولما كان قوله: " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " ربما توهم متوهم أن هذا, من باب تكليف ما لا يطاق, أو تكليف ما يشق, احترز منه بقوله: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " أي: مشقة وعسر, بل يسره غاية التيسير, وسهل بغاية السهولة.
فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس, لا يثقلها, ولا يؤودها.
ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف, خفف ما أمر به.
إما بإسقاطه, أو إسقاط بعضه.
ويؤخذ من هذه الآية, قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " .
قيدخل في ذلك من الأحكام الفروعية, شيء كثير معروف في كتب الأحكام.
" مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ " أي: هذه الملة المذكورة, والأوامر المزبورة, ملة أبيكم إبراهيم, التي ما زال عليها, فالزموها واستمسكوا بها.
" هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ " أي: في الكتب السابقة, أنتم مذكورون ومشهورون [أي: بأن إبراهيم سماكم: مسلمين].
" وَفِي هَذَا " أي: هذا الكتاب, وهذا الشرع أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا.