وهذا من لطفه, وحسن خطابه, عليه السلام, حيث ذكر حاله في السجن, ولم يذكر حاله في الجب, لتمام عفوه عن إخوته, وأنه لا يذكر ذلك الذنب, وأن إتيانكم من البادية, من إحسان الله.
فلم يقل: جاء بكم من الجوع والنصب.
ولا قال: " أحسن بكم " بل قال " أَحْسَنَ بِي " .
جعل الإحسان, عائدا إليه.
فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده, ويهب لهم من لدنه رحمة, إنه هو الوهاب.
" مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي " فلم يقل " نزغ الشيطان إخوتي " بل كأن الذنب والجهل, صدر من الطرفين.
فالحمد لله, الذي أخزى الشيطان ودحره, وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة.
" إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ " يوصل بره وإحسانه إلى العبد, من حيث لا يشعر, ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.
" إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ " الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها, وسرائر العباد وضمائرهم.
" الْحَكِيمُ " في وضعه الأشياء مواضعها, وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها.